صور| المرتضى رعى حفل إطلاق “مؤسسة حياة الحويك للدراسات الثقافية”
رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى حفل اطلاق “مؤسسة حياة الحويك للدراسات الثقافية” الذي اقيم بعد ظهر اليوم في مقر المكتبة الوطنية، في حضور حشد من الفعاليات والشخصيات السياسية والثقافية والاكاديمية والاجتماعية والاعلامية .
استهل الحفل بالنشيد الوطني ثم كلمة لكل من المؤسسين الدكتور حسن حمادة وربى عطية تطرقا خلالها الى “نظرية الحويك واهمية العمل عندها على خطين مترابطين، النظرية والفضاء العام”.
ثم تحدث راعي الاحتفال الوزير المرتضى فقال: “سقى الله تربة كبير لبنان، صاحب الغبطة البطريرك الياس الحويك الذي في مطالع القرن العشرين أنجز ما آمن به، من أن بناء الوطن يلزمه الخروج من الذات إلى الآخر، والاستقواء بالأخ على حدثان الدهر جميعها، طبيعية كانت أم من صنع الأعداء. فإنه عند إنشاء لبنان الكبير، أبى أن يبقى الجبل المسيحي مقفلا على شطآنه وأوديته وقممه، فبسطه اتساعا في الشرق والشمال والجنوب، ولو استطاع في الغرب لفعل، ضاما إليه أرضا وناسا أمل بأنهم، إذا تشابكت إراداتهم وزنودهم واعتصموا بإيمانهم بالوطن ووحدته، كانوا معا قوة داخلية تأتزر علاقات بعضهم ببعض، وحصنا وطيد الأساسات والبروج ضد أي اعتداء خارجي”.
أضاف: “لقد رأى غبطته أن السهول أهراء الجبال، والشواطىء ثغور السهول، وأن عيش المواطنين انفتاحهم الفكري والاقتصادي والسياسي، دونما خوف واحدهم على نفسه وقومه من الآخر، يجعلهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا قوي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالبسالة والمنعة. لكن اغتصاب فلسطين بعد قرابة ربع قرن من اكتمال الوطن اللبناني، دفع شعوب المنطقة العربية، واللبنانيون منهم، في اتجاهات تختلف قليلا أو كثيرا عن المقاصد البطريركية، فخاضوا ضروبا من التشرذم والتخاصم، بلغت حد الحروب الدموية، فيما بقي الفكر السياسي الجامع صادحا وسط محافل كثيرة على امتداد لبنان وبلاد العرب”.
وتابع: “كان لا بد لي من هذه المقدمة، ولو طويلة، للدخول إلى ذكرى الراحلة حياة الحويك. فأنا لا أرى في مسيرتها سوى استكمال وتوسعة للنهج الذي مهد له نسيبها البطريرك حين نظر إلى دولة لبنان الكبير. وأسارع ههنا إلى القول إن التناقض المزعوم بين الكيانية والقومية في تحديد هوية الوطن، ربما كان في غير محله الصحيح كما تقول لغة القانون. فلبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه بحدوده المعترف بها دوليا كما تقول وثيقة الطائف، وكما نؤمن به كلنا من دون استثناء، لا يضيره أن يكون، مع استقلال كيانه السياسي، منتسبا في الوقت نفسه إلى محيطه العربي وإلى المجتمع الدولي، وكذلك لا يضيره شعور أبنائه بهذا الانتساب القريب أو البعيد”.
واردف: “من هنا بوسعي أن أقول إن انتماء حياة الحويك إلى المبادىء القومية كان في حقيقته تأكيدا على مارونيتها ومسيحيتها ولبنانيتها وأمتها، فهذه كلها تكونت في شخصيتها أجزاء من واحد، أو مفردا بصيغة جمع كما كتب أدونيس. وهي عبرت عن ذاتها تلك، بصورة رحيبة الإنسانية حين قالت: “أيها الغريب، كلنا نسكن وطنا واحدا هو العالم”. هكذا على الدوام تتماهى في المثقف الحر المشاعر الكيانية والقومية والإنسانية، ذلك أنه يؤمن بأن الحق لا يتجنس. ولعل عملها الإعلامي والأكاديمي في الدفاع عن القدس وفلسطين، كان لهذه الأسباب كلها، دفاعا عن أصغر دسكرة في لبنان أو الأردن أو الشام، وعن كل مواطن في هذه الأرض المباركة، بل دفاعا عن القيم الإنسانية العليا وأهمها العدالة والحرية ورفض الاحتلال”.
وقال: “حياة الحويك الأديبة التي سطرت مقالات وأنشأت مؤلفات وترجمت كتبا وتركت ميراثا غنيا في الرواية وتاريخ الفلسفة والسياسة والاجتماع والشعر والنقد الأدبي، موضوعا ومترجما، كانت تصدر في أعمالها كلها عن ثقافة عريضة عميقة، وممنهجة في الوقت نفسه، صنيع المؤمنين الذين يرصدون هدفا ساميا ويسعون إليه بالعزائم الثاقبة. ولقد عرفت تأثير الإعلام على صناعة التاريخ الحديث والمعاصر، فأرادت أن تكشف زيف سياسة السكوت التي تضج على الشاشات والصفحات، حين تقارب الوجع الحضاري من زاوية المصالح فتصور الباطل حقا والحق باطلا. لكنها سكتت قبل أن ترى كتابها “المسكوت عنه في الإعلام الغربي” صادرا على قيد حياتها. وهي، في وقوفها عند ضفة الأردن المتاحة لها، كانت ترقب ما قذفته إلى الضفة العصية عليها، مياه الدانوب الخافقة في المقلب الآخر من الموج، وتعجب كيف يحمل الموت إلى التراب… ذلك الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي”.
وختم: “في انتظار أن يعود طائر الرها من رحلة جناحيه، ستبقى حياة الحويك سيرة مكتوبة بأبجدية الماء”.